بقلم كلارنس وستفال، بتصرف قصة حقيقية لنذهب إلى قاعةِ محكمة مزدحمة في إحدى العواصم. ولدٌ في السادسةِ عشرة من عمره متهم بسرقة سيارة، يقف أمام القاضي ينتظر نطقه بالحكم. وعلى كرسي مجاور تجلس أمٌ تبكي بشكلٍ هستيري. النائب العام قد أدلى بشهادته للتو بأن الشاب المتهم لا زال يشكل مصدر إزعاج مستمر للمجتمع المحلي. وقبل ذلك كان رئيس الشرطة قد أخبر المحكمة بأن الولد قد اعتقل في مناسبات عدة لسرقة الفاكهة وتحطيم النوافذ وارتكاب أفعال أخرى من التخريب.ا الآن القاضي الصارم ذو العينين الباردتين يحملق من فوق إطار نظارته يشن خطبته العنيفة ضد الشاب، مذكراً بالعواقب الوخيمة التي ستنتج عن أفعاله غير القانونية. كانت كل كلمة يقولها القاضي ذو الشفاه الرقيقة وكأنها ضربات سياط ، وهو يعنف المتهم بلا رحمة على سلوكه غير المسؤول. يبدو وكأنه يبحث في مفرداته عن أقسى الكلمات التي يمكن العثور عليها لإذلال الشاب الذي يقف أمامه.ا ولكن الولد لا يَفْزع أبداً أمام جَلْد اللسان المرير هذا. موقفه يدل على تحدٍ متهور. لم يخفض ناظريه ولا مرة واحدة عن وجه القاضي. يحملق في جلاده بشفتين مشدودتين وعينين متوهجتين. وعندما يتوقف القاضي برهة ليدع كلماته تفعل فعلها، ينظر الولد في عينيه مباشرة ومن بين أسنانه المشدودة تخرج الكلمات، «أنا لست خائفاً منك. »ا تنتشر موجة من الغضب على وجه القاضي وهو ينحني على مكتبه قائلاً بعنف، «أنا أفكر في اللغة الوحيدة التي يمكن أن تفهمها وهي الحكم عليك بستة شهور في مدرسة إصلاحية. »ا ا«هيا، أرسلني إلى مدرسةٍ إصلاحية » زمجر الولد قائلاً، « ذلك لا يَهُمني. »ا كان الشعور العام في قاعة المحكمة متوتراً. والمشاهدون ينظر أحدهم إلى الآخر ويهزون رؤوسهم. «ذلك الطفل ميؤوس منه » هكذا أبدى أحد ضباط الشرطة ملاحظته.ا كل ذلك النقد المُنْصَب على الولد لم يفعل شيئاً سوى تحريكُ شعورٍ أعمق من الكراهية والغيظ في داخله. كان المشهد يُشبه مُدرب أسود يضرب هذا الحيوان المتوحش في قفصه بعصاً مدببة، ومع كل ضربة لا يزيد الضحية إلا ضراوةً وغضب.ا عند هذه النقطة، يلمح القاضي من بين جمهور المشاهدين رجلاً من بلدةٍ مجاورة يعمل مشرفاً على منزل للأولاد المشاكسين. يقول «يا سيد » بنغمة المتعب الذي كاد يستسلم، «ما رأيك في هذا الولد؟ »ا الرجل الذي وجه إليه السؤال يخطو إلى الأمام. كانت تبدو عليه الثقة والطمأنينة مما يدفع فوراً على الاحترام، ونظرة رقيقة في عينيه ما يجعلك تشعر أن لديك هنا رجلاً يفهم الأولاد حق الفهم. يرد بهدوء قائلاً، «أيها القاضي، إن هذا الولد ليس بتلك القسوة. تحت كل تلك الثورة الهائجة خوفٌ و ألمٌ عميق. لم يحظى بفرصةٍ قط. لقد كانت الحياة مُربِكةً له. لم يعرف قط الحب الأبوي. لم يحصل قط على يد صديق ترشده إلى الصواب. أود أن أراه يأخذ فرصة؛ لنرى ما يستحقه فعلاً. »ا مرت لحظة وقاعة المحكمة هادئة. ثم قطع هذا السكون فجأة بكاءٌ مخنوق، ليس من الأم، بل من الولد! لقد حطمته تماماً كلمات المشرف الرقيقة المتعاطفة. ها هو يقف هناك بأكتاف مرتخية ورأس منحني بينما الدموع تنساب ببطء على خديه. كلمة طيبة واحدة نفذت مباشرة إلى قلب الشاب بينما نصف ساعة من الإدانات والتوبيخ لم تفعل سوى أن جعلته أكثر تمرداً وحنقاً!ا القاضي يسعل ليخفي إحراجه ويعدل من وضع نظارته بعصبية. ثم رئيس الشرطة الذي شهد ضد الشاب ينسل خارجاً من القاعة ويتبعه النائب العام.ا بعد لحظة من المداولة يستدير القاضي قائلاً، «إذا كنت تعتقد أنك تستطيع فعل شيء مع هذا الولد فسوف أعلّق الحكم وأدفعه إليك. »ا خلاصة القصة أن الشاب قد أصبح تحت مسؤولية المشرف، ومنذ ذلك الحين لم يسبب أية مشكلة. تلك الإيماءة الودية من الرجل الذي جاء ليدافع عنه ذلك اليوم في قاعة المحكمة قد وضعت قدميه على طريقٍ جديد، وساعدت على استخراج تلك الصفات النقية من شخصيته؛ والتي لم يعتقد أحدٌ قط أنها موجودة.ا Text and photo courtesy of Motivated magazine.
0 Comments
Leave a Reply. |
Categories
All
Archives
April 2023
|